أضرار النوم على الأرض

أضرار النوم على الأرض

تُعد وضعية النوم ومكانه من العوامل الأساسية التي تؤثر على جودة النوم وصحة الإنسان الجسدية والنفسية. وقد شاع في بعض الثقافات أن النوم على الأرض يُعد صحياً ويمنح الجسم راحة طبيعية بعيداً عن الأسِرّة ذات النوابض أو الفرشات الاصطناعية. إلا أن الدراسات العلمية والتحقيقات الطبية الحديثة تشير إلى أن النوم على الأرض يمكن أن يتسبب بمجموعة من الأضرار الصحية الخطيرة، لا سيما إذا لم تتوفر الشروط المثالية لذلك، مثل استعمال حصائر داعمة، أو الظروف البيئية المعتدلة. هذا المقال الموسع يناقش بالتفصيل الأضرار الجسدية والفسيولوجية والعصبية للنوم على الأرض، مستندًا إلى معطيات علمية وطبية دقيقة.

أولاً: التأثيرات على العمود الفقري والمفاصل

الضغط الزائد على الفقرات

النوم على الأرض غالباً ما يؤدي إلى تعرض العمود الفقري لضغط غير متوازن، خاصة في حال النوم على سطح صلب جداً دون وسادة داعمة أو مرتبة لينة. الغياب التام للمرونة في الأرضية يؤدي إلى زيادة الانحناءات الطبيعية للعمود الفقري، مثل تقوس أسفل الظهر أو انحناء الرقبة، وهو ما قد ينتج عنه آلام مزمنة في منطقة القطنية والعنقية.

مشاكل المفاصل والعضلات

تُسبب الأرضية الصلبة ارتفاعاً في الضغط الواقع على نقاط التماس بين الجسم والسطح، لا سيما في مفاصل الكتف، الورك، الركبة والكعب. هذا الضغط يؤدي إلى شد في العضلات المحيطة بهذه المفاصل، وقد يتسبب في التهابات عضلية أو تيبّس مزمن في الأوتار.

خطر الإصابة بالتهاب المفاصل التنكسي

تُعد المفاصل أكثر حساسية للضغط الزائد والاحتكاك، والنوم المباشر على الأرض يزيد من احتمالية تطور التهاب المفاصل التنكسي، خاصة عند الأفراد الذين يعانون أصلاً من هشاشة أو ضعف في المفاصل، مثل كبار السن أو من لديهم إصابات سابقة.

ثانياً: التأثيرات على الدورة الدموية والجهاز القلبي الوعائي

ضعف دوران الدم الطرفي

عند النوم على سطح قاسٍ، يُعيق الضغط الزائد على العضلات والمفاصل سريان الدم بشكل طبيعي نحو الأطراف، ما يؤدي إلى تنميل في الذراعين أو الساقين. هذا الضعف في التروية قد يكون خطيراً خاصة لمن يعانون من داء السكري أو مشاكل في الشرايين.

زيادة خطر الدوالي وتجلط الأوردة

قلة الحركة أثناء النوم، مع ضعف الدورة الدموية، تمثل بيئة مناسبة لتكون الجلطات، لا سيما في أوردة الساقين. وقد يزيد النوم على الأرض من هذا الخطر نظراً لعدم توازن الجسم وقلة تغيير الوضعيات.

ثالثاً: التأثيرات على الجهاز العصبي

زيادة التوتر العصبي

الاستلقاء على الأرض في وضعيات غير مريحة يسبب تنشيطاً مستمراً للنهايات العصبية، ما يؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي السمبثاوي. هذا قد يؤدي إلى ارتفاع في مستوى التوتر العصبي، صعوبة في الدخول في النوم العميق، وحدوث اضطرابات في إيقاع النوم.

آلام الأعصاب المحيطية

قد تتعرض بعض الأعصاب الطرفية للضغط المباشر أثناء النوم على الأرض، مثل العصب الوركي أو الأعصاب الممتدة في الذراعين. هذا الضغط يؤدي إلى ما يُعرف بآلام الأعصاب الطرفية أو “الاعتلال العصبي”، والذي يتميز بالخدر، التنميل، والوخز الليلي.

رابعاً: التأثيرات على الجهاز التنفسي

ضيق في التنفس أثناء النوم

الوضعية المستوية تماماً على الأرض تؤدي في بعض الأحيان إلى ضغط مفرط على الحجاب الحاجز، ما يعيق تمدده بشكل طبيعي أثناء عملية الشهيق. النتيجة هي تنفس سطحي وغير عميق، ما يقلل من تشبع الدم بالأوكسجين أثناء الليل، ويزيد من احتمالات الاستيقاظ المتكرر والإرهاق الصباحي.

تفاقم حالات انقطاع النفس النومي

الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس أثناء النوم (Sleep Apnea) يمكن أن تسوء حالتهم عند النوم على الأرض، حيث ترتفع احتمالية انسداد مجرى الهواء نتيجة لوضعية غير ملائمة للرأس والعنق، ما يؤدي إلى انخفاض تدفق الهواء وبالتالي نوبات متكررة من الشخير أو الاختناق الليلي.

خامساً: التأثيرات على الصحة الجلدية والبيئية

التعرض للرطوبة والعفن

غالبًا ما تكون الأرضيات أكثر عرضة لتجمع الرطوبة أو العفن، خاصة في البيوت ذات العزل السيئ أو في البيئات الرطبة. النوم على الأرض مباشرة، دون عازل مناسب، يعرض الجلد لمستويات غير صحية من الرطوبة، مما يزيد من فرص الإصابة بالحساسية أو الالتهابات الجلدية.

ازدياد خطر الإصابة بالحساسية التنفسية

الغبار، العث، وبر الحيوانات، والملوثات الأخرى تتراكم بكثافة على الأرضيات، والنوم بالقرب من هذه المواد يزيد من تعرض الشخص لمسببات الحساسية. هذا التأثير يكون أكثر حدة عند الأطفال أو المصابين بالربو.

سادساً: التأثيرات على الصحة النفسية وجودة النوم

ضعف جودة النوم

الشعور المستمر بعدم الراحة، الألم في المفاصل، أو تنميل الأطراف يؤدي إلى نوم غير متواصل، يفتقر إلى مرحلة النوم العميق (NREM Stage 3). هذا النوع من النوم الرديء لا يسمح بإصلاح الخلايا أو استعادة النشاط العقلي والجسدي، ما يؤدي إلى التعب المزمن خلال النهار.

القلق والاكتئاب

ارتباط النوم غير المريح بزيادة التوتر العصبي قد يسهم في ظهور أعراض القلق واضطرابات المزاج، لا سيما إذا كان النوم على الأرض يرافقه شعور بالبرد أو القلق من الحشرات أو الضوضاء، وهي عوامل تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار النفسي للفرد.

سابعاً: الفئات الأكثر تأثراً بأضرار النوم على الأرض

ثامناً: الظروف التي تزيد من مخاطر النوم على الأرض

• انخفاض درجات الحرارة في الليل: الأرض تبرد بشكل أسرع من الهواء، مما يزيد من فقدان حرارة الجسم أثناء النوم، وقد يؤدي إلى انخفاض حرارة الجسم خاصة في البيئات الجبلية أو الصحراوية.

• الأسطح غير النظيفة أو غير المستوية: تسبب إصابات في الجلد أو اضطراب في المحاذاة الجسدية.

• عدم وجود وسادة أو دعم للفقرات العنقية: يؤدي إلى تشنجات في الرقبة وآلام مستمرة عند الاستيقاظ.

• طول فترات النوم: كلما زادت مدة النوم على الأرض، زاد التعرض للمضاعفات السابق ذكرها.

تاسعاً: مقارنة طبية بين النوم على الأرض والنوم على سرير طبي

عاشراً: ملاحظات ختامية طبية وعلمية

رغم أن بعض الأبحاث الثقافية القديمة أو تجارب الشعوب في مناطق معينة تشير إلى فوائد النوم على الأرض من حيث “الارتباط بالأرض” أو “الطاقة الطبيعية”، إلا أن الأبحاث الطبية المعاصرة تؤكد أن هذه الممارسة يجب أن تكون استثنائية وتحت شروط محددة. النوم الجيد يعتمد على توفير بيئة صحية ومريحة، ومن الأفضل علمياً الاعتماد على أسرّة مصممة خصيصاً لدعم العمود الفقري وتوزيع الضغط وتقليل التحفيز العصبي والعضلي أثناء الليل.

المراجع:

1. American Academy of Sleep Medicine. “The Clinical Effects of Sleep Surface on Sleep Quality.” Journal of Clinical Sleep Medicine, 2020.

2. Mayo Clinic. “Back Pain and Sleep: Best Practices.” Mayo Clinic Health Information, 2023.